في مقال تحليلي نشرته صحيفة ذا ميتشيجان ديلي، يرى الكاتب جاك فيريل أن الضربات العسكرية التي أمر بها الرئيس دونالد ترامب ضد إيران في 22 يونيو كانت خطأ استراتيجيًا جسيمًا، رغم محدودية الأضرار وعدم تسجيل أي خسائر أمريكية. الهجوم استهدف ثلاثة مواقع نووية إيرانية، منها منشأة فوردو شديدة التحصين، ونفذ بالتنسيق مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

مبررات الهجوم انطلقت من ادعاء نتنياهو أن إيران على وشك امتلاك سلاح نووي. البيت الأبيض دعم هذا الزعم، وقدّر فترة حصول طهران على سلاح نووي بأسابيع فقط. السيناتور الجمهوري تيد كروز بالغ في التحذير، ملوّحًا بصورة فطرية لـ"سُحب فطرية" فوق نيويورك ولوس أنجلوس. لكن هذه التحذيرات، رغم وقعها المخيف، لا تستند إلى أدلة.

مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل جروسي، نفى وجود أدلة على سعي إيران لصنع سلاح نووي. كذلك أكدت مديرة الاستخبارات الوطنية الأمريكية تولسي غابارد أمام الكونجرس أن البرنامج النووي الإيراني لا يعمل حاليًا، وأنه لم يُستأنف منذ تعليقه عام 2003.

بحسب المقال، اعتمد نتنياهو ومؤيدوه في البيت الأبيض على حيلة لغوية مضللة: القول إن إيران تستطيع إنتاج سلاح نووي لا يعني أنها تنتجه، إلا أن الأثر العملي للعبارة كان تعبئة الرأي العام وراء الضربات. في الواقع، خصّبت إيران اليورانيوم إلى مستويات مقلقة، لكن إنتاج سلاح نووي يتطلب خطوات تقنية إضافية لم تُنفذ.

تثير هذه المعطيات سؤالًا بديهيًا: لماذا تخصّب إيران اليورانيوم إلى مستويات تتجاوز الاستخدام المدني إذا لم تكن تخطط لصنع قنبلة؟ الجواب، بحسب الكاتب، يتعلق بالمفاوضات. طهران كانت تحاول استخدام ورقة التخصيب كورقة ضغط في مفاوضاتها مع الولايات المتحدة، مقابل تخفيف العقوبات. الكمية الأكبر من هذا اليورانيوم لم تُدمّر خلال الضربات، مما يعزز نظرية أن النظام الإيراني استغلها لتعزيز موقعه التفاوضي، وليس للسعي إلى سلاح نووي.

على الرغم من الخطاب العنيف للنظام الإيراني، يظهر سجلّه السابق رغبة في إبرام صفقات. بخلاف إسرائيل، وقّعت إيران على معاهدة حظر الانتشار النووي عام 1968، ووافقت لاحقًا على قيود إضافية في إطار الاتفاق النووي لعام 2015. وفي عام 2023، سمحت الوكالة الدولية بإعادة تركيب كاميرات رقابة داخل منشآتها. ما يظهر على السطح من تصريحات نارية، يخفي تحركات محسوبة هدفها الحفاظ على بقاء النظام، لا إشعال المنطقة.

لو كان ترامب فعليًا "صانع صفقات" كما يدّعي، لواصل المسار الدبلوماسي. قصف إيران وسط مفاوضات يُرسل رسالة خطيرة مفادها أن امتلاك سلاح نووي هو الوسيلة الوحيدة لضمان عدم الاعتداء. هذا يعزز مواقف المتشددين داخل طهران، ويُضعف فرص الحوار.

الرئيس الأمريكي، في هذا التصعيد، خلق سابقة خطيرة: إن رفضت التفاوض، تُقصف. وإن قبلت التفاوض، تُقصف أيضًا. هذه ليست دبلوماسية استراتيجية، بل عبث غير مسؤول في العلاقات الدولية. وحتى لو لم تؤدِّ الضربات إلى خسائر مباشرة — إذ ردّت إيران بهجوم صاروخي غير قاتل — فإن التداعيات المستقبلية تبقى مجهولة. ربما تبدأ دول أخرى بالاعتقاد أن الردع النووي هو الضامن الوحيد للسيادة، أو تعيد إيران بناء برنامجها بقوة أكبر.

يشير المقال أيضًا إلى سابقة ليبيا: معمر القذافي، الذي فكّك برنامجه النووي طوعًا عام 2003، قُتل بطريقة بشعة خلال ثورة مدعومة غربيًا. والآن إيران، التي التزمت بقيود عديدة، تواجه خطر تغيير النظام. في المقابل، لم تتعرض باكستان لأي عدوان أمريكي مباشر رغم احتضانها أسامة بن لادن، لأنها تمتلك سلاحًا نوويًا. الرسالة واضحة: من يتخلى عن القنبلة يُعاقب، ومن يملكها يُحترم.

النقاش الحقيقي لا يتعلق بمحبّة أو كراهية النظام الإيراني، بل بتحديد اتجاه السياسة الخارجية الأمريكية: هل تسعى واشنطن إلى صراع دائم مع دولة يبلغ عدد سكانها 92 مليونًا؟ أم تجرّب المسار الدبلوماسي مجددًا؟ هل ستُصبح ضربات جوية كل بضع سنوات تقليدًا أمريكيًا كلما رفعت إيران نسبة التخصيب؟ البيت الأبيض لم يقدم إجابة بعد.

ربما ينجح هذا النهج، فقد دعا ترامب إلى السلام بعد الضربات، وتفادى غزوًا بريًا. لكن انصراف الإعلام الأمريكي عن القضية لا يعني انتهاء التوترات. الحرب ليست مجرد ضربة، بل سلسلة ردود أفعال لا يمكن التنبؤ بها. الآن ليس وقت الاحتفال، بل وقت التأمل في نتائج قصف لم يكن ضروريًا. بنسف الدبلوماسية مرة أخرى، حوّل ترامب نصرًا سياسيًا محتملًا إلى هزيمة مدوّية.

 

https://www.michigandaily.com/opinion/columns/war-with-iran-is-still-a-mistake/